من مديرة لمهرجان قرطاج الدولي إلى وزيرة للثقافة والمحافظة على التراث في حكومة الحبيب الصيد كان مرور سنيا مبارك إلى كرسي الوزارة وهي المطربة الفنانة وابنة القطاع… وبعد أن نالها شرف قيادة وزارة إستراتيجية وذات خصوصية أمام جسامة المسؤولية، هل اهتدت
في البداية لابد من الإشارة إلى أنني أعرف جيّدا وزارة الثقافة لأنّي أتعامل معها منذ أكثر من 20 سنة من خلال مشاركتي في لجان التفكير التي تشرف عليها الوزارة وأيضا عن طريق إشرافي على مهرجان الموسيقى طيلة 4 دورات وكذلك إدارتي لمهرجان قرطاج الدولي في دورتين متتاليين… ولهذا فمعرفتي بوزارة الثقافة من الداخل تسبق تعييني على رأس هذه الوزارة وهو ما ساعدني كثيرا على تشخيص نقاط الضعف بفضل الخلفية التي امتلكها عن مواضع الخلل في الوزارة ومن أبرزها أساليب التصرف المعقدة في المجال
الثقافي بشكل عام والتي تستوجب المرور إلى صيغ إدارية مرنة، وفي الحقيقة فإن وزارة الثقافة بدأت السير في هذا الاتجاه من خلال منح بعض المؤسسات الثقافية صفة المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية وهو ما يتيح لها التمتع بالاستقلالية المالية والإدارية … ومن جهة أخرى فإن وزارة الثقافة تشكو من بعض سوء التصرف في توزيع الموارد البشرية فمثلا الكفاءات التي تغادر الوزارة لا يقع تعويضها بكفاءات أخرى على القدر ذاته من الخبرة.
وفي سياق آخر، فإن وزارة الثقافة ومنذ سنوات كثيرة أعلنت عن بعث مشاريع عديدة لكن تنفيذها يصطدم بإشكاليات خارج نطاق الوزارة على غرار المشاكل العقارية والتعطيلات الإدارية …
• إذا ما الذي قدمته سنيا مبارك لوزارة الثقافة وما هي طموحاتها وأولويات عملها ؟
لابد أن ننتهي من اعتبار وزارة الثقافة وزارة تظاهرات بل هي وزارة معرفة وتربية واتصال وقيم ثقافية وعقد اجتماعي وثقافي… ومن هذا المنطلق، لن ينصب عملنا على تنظيم المهرجانات ودعم التظاهرات فقط بل سيكون اهتمامنا موّجها نحو جعل وزارة الثقافة مخبرا حقيقيا للبحث وتطوير الممارسة الثقافية ومواكبة المستجدات في نطاق استشراف المستقبل والعمل على المدى المتوسط والبعيد…وفي هذا السياق، نحن بصدد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على مشروع النفاذ إلى المعلومة الذي سيمكن من توفير قاعدة بيانات مفتوحة على ذمة طالبيها من إعلاميين ومواطنين ومؤسسات على غرار التقارير الأدبية والمالية للمهرجانات والتظاهرات الكبرى حيث لابد من القطع مع صورة وزارة الثقافة بكونها صندوقا أسود!
• هل سيكون هذا القانون الجديد هو الفيصل في تبرئة وزارة الثقافة من ملاحقة تهم التشكيك وشبهات الفساد خصوصا في ملفات إسناد الدعم ؟
لقد اعتدنا على التلازم بين صدور نتائج عمل اللجان في أي مجال كان وبين القذف بتهم المحاباة والمحسوبية والفساد … وإن كانت مختلف اللجان لا تشتغل دون الاستناد إلى مقاييس انتقاء ومعايير اختيار، فقد طالبت لدى تسلمي مقاليد الوزارة بالمزيد من التدقيق في هذه المقاييس حتى نترك أقل مجال ممكن للنقد والشك والاتهام… وفي هذا الصدد، عملنا بعد فتح باب الترشح للحصول على منحة من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني على إصدار دليل جديد ليكون هو المرجع بالنسبة للمترشح أو لجنة الانتقاء. وعموما يبقى تقييم العمل الفني مسألة ذوقية تختلف من لجنة إلى أخرى ومن فنان إلى آخر …
• في الأيام الأخيرة، هناك حديث في الخفاء والعلن عن شبهات فساد وتجاوزات صلب وزارة الثقافة يقال عنها أنها تتجاوز الوزيرة وتتورط فيها «الإدارة القديمة»، ما ردّكم ؟
من يتهم إنسانا بالفساد فالبيّنة على من ادّعى… وبالتالي فإن رمي التهم جزافا وشيطنة الأشخاص لا يستقيم دون إثبات هذا الادعاء بالأدلة والبراهين والقرائن … من لديه أي معلومات أو ملفات فليتفضل بمدها إلينا .ومن جانبنا فنحن لا نلتزم الصمت عندما يبلغ إلى مسامعنا أي شيء من هذا القبيل بل على الفور نقوم بإرسال تفقدية للتحري في الأمر ومتابعة الموضوع …
• وهل تمّ الوقوف على تجاوزات أو مظاهر فساد صلب مصالح وزارتكم ؟
إلى حد الآن لم نسجل وجود أي مظهر من مظاهر الفساد حيث أن التجاوزات المرصودة ليست من الحجم الثقيل أو الخطير بل هي مجرّد تشنّجات بين الأشخاص … وفي الحقيقة فإنه من المفروض وجود نوع من الاستقامة و السلم الاجتماعي والرقي في التعامل صلب وزارة تعنى بالثقافة وإيمانا بهذه المبادئ فأنا لا أسمح أن يتعرض أي موظف في مصالح الوزارة إلى الاتهام دون دليل كما أدعو إلى ترشيد السلوك الإداري واحترام ميثاق العمل بكل صرامة…
• كيف تلقيّتم تلويح مدير أيام قرطاج السينمائية بالاستقالة وتصريحه بصعوبة مواصلة التعامل مع مدير المركز الوطني للسينما والصورة وتونس على أبواب خمسينية المهرجان ؟
اليوم نحن على أبواب خمسينية مهرجان أيام قرطاج السينمائية لهذا فإن شغلنا الشاغل هو إنجاح هذا الموعد الهام ومزيد إشعاعه خارج حدود الوطن … ولهذا تم تجاوز الإشكال مع مدير أيام قرطاج السينمائية إبراهيم اللطيف الذي نجيز له العذر في التبرم من التعطيللات الإدارية التي سبق لي أن واجهتها لما اضطلعت بخطة مديرة لمهرجان قرطاج الدولي .
أما بخصوص المركز الوطني للسينما والصورة والذي جاء بعد طلب وإلحاح من أهل القطاع ببعث هيكل مستقل عن الوزارة فلا يمكن أن نطالبه بما يفوق طاقته خصوصا وانه حديث النشأة ولا يزال يفتقر حتى إلى مجرد مقر خاص به و مع ذلك ساهم في إنتاج 23 فيلما سينمائيا تونسيا …
وان كان من صلاحيات هذا المركز الإشراف على تنظيم أيام قرطاج السينمائية فهذا لا يتنافى مع صلاحيات هيئة المهرجان … والمهم الآن تجاوز كل الاختلافات والإعداد لخمسينية ناجحة تستقطب أهم نجوم السينما التونسية والعالمية.
• سبق وأن صرّحت بأنك جئت لتغيير القوانين البالية لكل المهن الفنيّة، فهل من جديد ؟
اليوم نحن في المراحل الأخيرة من إعداد قانون جديد يخص وضعية الفنان والذي سيكون الحدث وسيخلق ثورة في كل المهن الفنية. هذا القانون سيكون الضامن لكل الحقوق المتعلقة بالعمل في المجال الثقافي سواء كان ذلك على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني الذي يشمل احترام حقوق الملكية الفكرية والأدبية … وقد سهر على إعداد هذا القانون فريق من المختصين من كافة المجالات انطلقوا في العمل منذ أكثر من شهرين وقريبا سيكون المشروع جاهزا للعرض على أهل القطاع قبل أن يتخذ مساره الطبيعي إلى السلط المعنية . كذلك، من المطروح علينا مراجعة إسناد بطاقة الاحتراف الفني التي لا تزال تستند إلى قوانين قديمة تجاوزها العصر .
وعلى صعيد آخر، نحن بصدد الاشتغال على تغيير هيكلة وزارة الثقافة نحو مرونة أكثر في أساليب التصرف إلى جانب إيجاد صيغ إدارية جديدة أقل تعقيدا. ففي الوقت الحاضر لدينا اثنين من الصيغ الإدارية، فإما مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية وأما مؤسسة عمومية ذات صبغة غير إدارية ومن هذا المنطق لابد من تطوير هذه النظم الإدارية التي لا تتماشى مع طبيعة العمل الثقافي.
في تونس مخزون تراثي هام و منفرد لكنه عرضة للإهمال والسرقة والاعتداء … فما هي تصوراتكم في مجال تثمين التراث الوطني واستثماره سياحيا ؟
قريبا وتحديدا في نهاية شهر أوت المقبل ستنطلق أشغال مشروع «أوذنة السياحي» قصد تحويله إلى مركب سياحي شامل وإدراجه ضمن المسلك السياحي .
كما انطلقت عملية الجرد للتراث المادي وغير المادي من ولاية القصرين في انتظار تعميمها على كامل ولايات الجمهورية.
كما ستشهد سنة 2017 صدور مجلد ضخم عن تاريخ قرطاج من وضع مجموعة من الباحثين والجامعيين من تونس ومن دول البحر الأبيض المتوسط .
• أين هي ثقافة الجهات من اهتمام وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ؟
لدينا خطة شاملة تتعلق بدور الثقافة قصد التأهيل وتثمين إبداعات الفنانين في الجهات وتسهيل التصرف الإداري والمالي في استقلالية عن المركز…وفي قادم الأيام سيكون لنا عمل مكثف مع المؤسسات الثقافية في الجهات قصد تكريس اللامركزية الثقافية.
وقريبا، ستنطلق حلقات حوار تخصّ كل القطاعات من كتاب ومسرح وسينما وفنون تشكيلية وموسيقى وتجمع مختلف الأطراف المعنية لفتح باب النقاش حول أهمّ المسائل المطروحة والصعوبات التي تعيق تقدم القطاعات الثقافية. وسيتمّ إعداد تشخيص كامل و مفصّل في الغرض، و إصدار ورقات عمل وإحالة التوصيّات إلى مختلف الجهات المعنية.
• هل يمكن القول بأن تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية قد تجاوزت خلافاتها واختلافاتها مّما سيمكنها من اللّحاق بموعدها الوشيك بالرغم من التعثر والمطبّات ؟
تبدو الوضعية مريحة والاستعدادات طيبة لتكون صفاقس جاهزة في الموعد المتفق عليه لاحتضان تظاهرة عاصمة الثقافة العربية 2016. وبعد
أن تم الانتهاء من وضع برمجة التظاهرة، فلا شك أن الترفيع في ميزانية هذا الحدث الثقافي لتبلغ 30 ألف دينار بعد أن كانت في حدود 11 ألف دينار سيدعم التقدم على مستوى أشغال البنية التحتية التي تتطلب وقتا لإنجازها ونأمل أن تكون جاهزة قبل اختتام تظاهرة
صفاقس عاصمة للثقافة العربية. والكرة اليوم في ملعب أهالي الولاية لإنجاح هذه المناسبة الهامة فالوزارة لم تتدخل في وضع البرمجة حفاظا على استقلالية الهيئة وإيمانا بحق الجهة في وضع تصوراتها واختيار منهج عملها ولكن تبقى تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية تحديا وطنيا ورهانا عربيا يجب تكاتف كل الجهود لدعمه ومساندته و إنجاحه …
• كيف هي أجواء العمل في وزارة الثقافة في ظل مناخ سياسي غير مستقر يسوده الترقب أمام الحديث عن تغيير حكومي قادم وقريب؟
شخصيا لا يعنيني الشأن السياسي وكل ما يهمني هو القيام بواجبي والاجتهاد قدر المستطاع في القيام بالمهمة التي كلفت بها والالتزام بالمسؤولية التي جئت من أجلها إلى آخر يوم تنتهي فيه تسميتي على رأس وزارة الثقافة إيمانا مني بأن الثقافة هي الحلقة الأساسية التي تتيح الارتقاء على سلّم التقدم والتغيير والتنمية … وفي المقابل ليس لدي أي إشكال مع أي قرار سياسي من شأنه أن يكون في خدمة الوطن وفي مصلحة تونس.